“لا أضاحي في الأضحى”: الأسعار “سلخت” الناس

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

لا أجواء عيد في النبطية، أعداد الحجّاج قليلة نسبيّاً. فالحج صار للميسورين فقط، إذ تجاوزت كلفته 6 آلاف دولار. لم يعد هناك مساحة للعيد في ظل الأوضاع المتدهورة. غاب التسوّق والألعاب. في السابق، كان يُسجّل في كلّ بلدة حوالى 100 حاجّ. هذا الرقم أطاحته الأسعار الخيالية. حُرم «أبو يوسف» من تحقيق حلمه بأن يصبح «حاجّاً». من الصعب عليه توفير 100 دولار أميركي في هذه الظروف فكم بالحري تأمين 6 آلاف دولار! يتحدّث عن القوافل التي كانت تنطلق من القرى سابقاً: «كان الحج مُيسّراً. أمّا الأزمة الاقتصادية فحرمتنا هذه النعمة».

منذ عامين وأعداد الحجّاج في النبطيّة تُسجّل تراجعاً دراماتيكيّاً، ما أفقد العيد بريقه وبهجته. وفق «أبو يوسف»، «حتى الحجّ تحوّل «سمسرة» من قبل تجّار الحملات. يريدون تحقيق مكاسبهم على حساب الفقراء، واضعين أرقاماً خيالية، لا يمكن دفعها. بالمختصر حرمونا حتّى من الحجّ».

عادة يرتبط عيد الأضحى بالخروف، ولكن «يا خروف مين يشتريك». ثمن الخروف حوالى 300 دولار أميركي، فيما مداخيل الطبقات الفقيرة لا تتخطّى الـ120 دولاراً.

تراجعت حركة بيع «خروف العيد»، وهو أمر طبيعي تبعاً لرعاة الماشية، تماشياً مع حالة الإنهيار المالي السائدة، ويقتصر الشراء على الميسورين فقط، ما دفع الفقراء إلى التنحّي عن ممارسة هذه الطقوس مع انفجار الأزمة المعيشية. في الماضي كان كلّ بيت «يذبح فدو» احتفالاً بالعيد. هذه التقاليد أصبحت من الماضي أسوة بكثير من العادات التي تخلّى عنها اللبناني في الزمن البائس.

يُقرّ قاسم حطّاب وهو تاجر مواشٍ بتراجع حركة البيع، ويعزو السبب إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، لافتاً إلى أنّ حركة الإقبال على شراء الأضاحي محدودة، وهو أمر يعتبره نكسة. في السابق كان التجّار ينتظرون العيد لرفع نسبة بيع الأضاحي، ولكن حساباتهم لم تتناسب وحسابات جيوب المواطنين الفارغة. إذ تراجعت تجارتهم بشكل ملحوظ، «خصوصاً مع ارتفاع كلفة الأعلاف التي باتت تكسر الضهر» على حد قول حطّاب. يتراوح سعر الخروف اليوم بين 250 و400 دولار، في حين أنّ سعر الكيلوغرام بين 4 و6 دولارات، أو حسب الزبون. كان الطلب يرتفع قبيل عودة الحجّاج، ومع انحسار أعدادهم نظراً إلى الكلفة الباهظة للحجّ، تراجع الطلب. هذا ما يؤكّده أيضاً «أبو حسين» أحد الرعيان في منطقة النبطية.

اعتاد «أبو حسين» على زحمة الناس عند «حظيرة المواشي» الخاصة به في بلدة كفررمان. كانت المواسم سابقاً «كالذهب» ينتظرها بفارغ الصبر. اليوم لا حركة ولا بركة، ويقتصر الشراء على الميسورين فقط وفق تعبيره، أمّا الفقراء وهم الغالبية، فبات العيد لا يعنيهم، يبحثون عن راحة البال. الرواتب بالكاد تكفي فاتورة كهرباء، فكيف لشراء خروف بـ250 دولاراً. يُفكّر أبو حسين في بيع ماشيته. تكبد الكثير من الخسائر بسبب ارتفاع كلفة الأعلاف والأدوية وغياب الدعم وتراجع حركة السوق وتحديداً عشية العيد مع بدء عودة الحجّاج، مفضّلاً «بيعها على أن يتكبد المزيد من الخسائر».

سرقت الأزمة كل مظاهر العيد واحتفالياته وسعادته. ذهب الناس يبحثون عنه في راحة البال التي صارت مفقودة أيضاً. فمن يُعيد للناس عيدهم؟