المطاعم تجذب الاستثمارات… والفنادق تنتظر الانتظام السياسي
تظهّرت خلال اليومين الماضيين ارقام الحركة السياحية الناشطة التي بدأ يشهدها لبنان لموسم صيف 2023. وبالنظر إلى الحجوزات التي هي غالباً «مفوّلة» في المطاعم والفنادق وبيوت الضيافة، هل بات الاستثمار في القطاع مشجعاً؟ هل هناك حاجة لزيادة الفنادق في بعض المناطق؟ وهل حان وقت العودة عن إقفال الفنادق الكبيرة في العاصمة؟
سجّلت حركة المسافرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت خلال حزيران الفائت الرقم الأعلى منذ مطلع العام الحالي، بل منذ سنوات، بحيث ارتفعت بنسبة فاقت 22% عن حزيران 2022 وبلغ مجموع الركاب 708 آلاف و970 راكباً مقابل 580 ألفاً و787 راكباً في حزيران العام الماضي، حيث ارتفع عدد الوافدين إلى لبنان بنسبة فاقت 25% مسجّلاً 427 ألفاً و 854 وافداً.
ومنذ بداية حزيران وعلى مدى ايامه الثلاثين، سجّلت الحركة اليومية للوافدين الى لبنان اكثر من 10 آلاف وافد، وبقيت في مسار تصاعدي حتى وصلت في بعض الأيام الى اكثر من 20 ألف وافد، وبلغت الحركة اليومية للمسافرين عبر المطار اكثر من 30 ألفاً بين واصلين ومغادرين، وهذا ما يعيد حركة المطار إلى معدلات ما قبل العام 2019.
هذه الارقام الرسمية التي صدرت امس، كان سبقها تصريح لوزير الاشغال العامة علي حميه، أكّد فيه انّ المطار شهد إقبالاً من السياح والمغتربين بأعداد لم نشهدها منذ العام 2018، بحيث وصل عدد المغادرين يوم الاحد الفائت (بعد انتهاء عطلة عيد الاضحى) إلى نحو 17 الف راكب، اما عدد الواصلين فيناهز أحياناً نحو 21 الف راكب، اي بمعدل وسطي نحو 36 الف راكب في اليوم.
وفي السياق نفسه، أكّد وزير السياحة امس، في حفل إطلاق برنامج الحج الديني في موقع حديقة البطاركة في الديمان، أنّه في العام 2022 وصل الى لبنان أكثر من مليون و700 ألف سائح، لكن وبحسب المؤشرات فيتوقع ان يصل عدد السياح هذا العام إلى المليونين، 33% منهم أجانب والأكثرية الباقية من اللبنانيين. كما كشف عن «ازدياد عدد بيوت الضيافة في لبنان بما يفوق الـ 200 بيت، 90 بالمئة منها في المناطق الريفية، حيث تسهم في نمو الإقتصاد وايجاد فرص عمل».
اذاً، ووفق المؤشرات والارقام، فالحركة السياحة «ولعانة»، وغالباً ما تكون الحجوزات «مفوّلة». لكن هل هي كافية لعودة الاستثمارات الى القطاع السياحي؟
في السياق، يقول الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي لـ«الجمهورية»: «كل الاستثمارات الصغيرة التي تحتاج الى مبالغ تتراوح ما بين 200 الى 400 الف دولار عاودت نشاطها، اما الحديث عن استثمارات فندقية كبيرة، يحتاج تشغيلها او انشاؤها إلى ملايين الدولارات، فهو غير وارد بعد، لانّه لا يزال هناك تخوّف من الإقدام على مثل هكذا خطوة بسبب استمرار التخبّط والتشنج السياسي في البلد. فعلى سبيل المثال نلاحظ افتتاح حوالى 10 مطاعم جديدة، بينما لا يقابلها استثمارات فندقية، لأنّ هذه الخطوة تحتاج الى مئات ملايين الدولارات، وعند اي نكسة أمنية او سياسية تكون من اول المتضرّرين، لانّها تعتمد خصوصاً على السياحة الخارجية. وهذا ما يفسّر غياب اي استثمارات خارجية كبيرة في القطاع الفندقي».
وعمّا اذا كانت هناك حاجة لفنادق كبيرة في ظل ارتفاع الطلب على الغرف، قال بيروتي: «دائما هناك حاجة، لاسيما انّ الفنادق الكبرى في بيروت لا تزال مقفلة منذ بدء الازمة، وهي تُعدّ واجهة اساسية للسياحة في بيروت. صحيح انّ استمرارها بالاقفال هو خسارة للبلد، لكن من جهة اخرى نفهم انّ تسيير هذه الفنادق يحتاج الى استثمارات كبيرة، والمستثمرون يتردّدون في الإقدام على مثل هذه الخطوة في ظلّ غياب الأجواء الاستثمارية عن البلد».
تابع: «إنّ اعادة افتتاح اي فندق مصنّف 5 نجوم في العاصمة يحتاج الى سياح من فئة 5 الى 6 نجوم، وهؤلاء يصعب ايجادهم بسهولة، كذلك هذه الفنادق تجذب سياحة المؤتمرات والاعراس او سياحة من نوع محدّد، وهي باتت قليلة جدا في لبنان. أضف الى ذلك، انّ هذا النوع من الاستثمار يحتاج الى أعداد كبيرة من اليد العاملة اللبنانية، ونحن نعاني من نقص كبير في هذا المجال. فالهجرة التي شهدها القطاع أخيراً أدّت الى نقص كبير في اليد العاملة اللبنانية والتي لا يمكن استبدالها بيد عاملة اخرى».
القطاع المطعمي
في المقابل، وعلى عكس القطاع الفندقي، استطاع القطاع المطعمي ان يقف على رجليه مجدداً. إذ انّ عدداً كبيراً من المؤسسات المطعمية التي اقفلت ابان الأزمة المالية عادت وفتحت ابوابها مجدّداً، كذلك سُجّل افتتاح مطاعم جديدة.
وفي السياق، يؤكّد نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري خالد نزهة لـ«الجمهورية»، انّ القطاع شهد أخيراً الكثير من الاستثمارات، وقال: «كان القطاع يضمّ قبل الأزمة نحو 8500 مؤسسة (ما بين مطعم وملهى وباتيسري اجنبي وعربي..) و160 الف لبناني مسجّلين في الضمان الاجتماعي، ونحو 4500 مؤسسة موسمية تتوزع ما بين كسروان الزعرور كفرذبيان وصور والبترون.. وفي الجرود، وهؤلاء كانوا يشغّلون حوالى 45 الف لبناني معظمهم من الطلاب.
لكن بعد الأزمة والانهيار المالي والاقتصادي وانفجار المرفأ وكورونا، تدمّر القطاع، بحيث أقفل أكثر من 60% من المؤسسات العاملة في القطاع، لينخفض عدد المؤسسات من 8500 الى 4300 مؤسسة من ضمنها 300 مؤسسة جديدة، وتمّت اعادة فتح أماكن السهر الكبيرة (الروفتوب) ولا تزال بعض المؤسسات تستعد لتعاود فتح ابوابها، حتى الوسط التجاري بعدما كان معدماً، نلاحظ اليوم فتح مؤسسات جديدة واعادة فتح اخرى كانت مغلقة بسبب الأحداث.
الامر سيان بالنسبة الى الكثير من المناطق اللبنانية شمالاً وجنوباً وبقاعاً، التي تشهد استثمارات في هذا القطاع. كما نلاحظ إعادة إحياء للشوارع السياحية، لاسيما بعد انفجار المرفأ مثل الجميزة ومار مخايل».
ورداً على سؤال، أكّد نزهة انّ كل المناطق تشهد نمواً في القطاع المطعمي، من البترون وجوارها الى ساحل المتن ومار مخايل والجميزة وبدارو وصولا الى صور… وأشار الى انّ «هذا النمو الكبير الذي يشهده القطاع تمكّن من توفير 30 الف وظيفة للبنانيين، ورغم الهجرة الكثيفة من اليد العاملة الماهرة الى الدول العربية او غير بلدان، وخسارتنا الكبيرة لهم، الّا اننا اليوم تمكنا من تأمين فرص عمل خصوصاً لطلاب الجامعات، ونحن نتعاون مع الجامعات من أجل تدريب يد عاملة لبنانية».